فصل: تفسير الآية رقم (11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (105):

{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)}
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزبور} في كتاب داود عليه السلام. {مِن بَعْدِ الذكر} أي التوراة، وقيل المراد ب {الزبور} جنس الكتب المنزل وب {الذكر} اللوح المحفوظ. {إِنَّ الأرض} أي أرض الجنة أو الأَرض المقدسة. {يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصالحون} يعني عامة المؤمنين أو الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها، أو أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآية رقم (106):

{إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)}
{إِنَّ في هذا} أي فيما ذكر من الأخبار والمواعظ والمواعيد {لبلاغا} لكفاية أو لسبب بلوغ إلى البغية. {لِّقَوْمٍ عابدين} همهم العبادة دون العادة.

.تفسير الآية رقم (107):

{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)}
{وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} لأن ما بعثت به سبب لإسعادهم وموجب لصلاح معاشهم ومعادهم، وقيل كونه رحمة للكفار أمنهم به من الخسف والمسخ وعذاب الاستئصال.

.تفسير الآية رقم (108):

{قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)}
{قُلْ إِنَّمَا يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله واحد} أي ما يوحى إلي إلا أنه لا إله لكم إلا إله واحد، وذلك لأن المقصود الأصلي من بعثته مقصور على التوحيد فالأولى لقصر الحكم على الشيء والثانية على العكس. {فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} مخلصون العبادة لله تعالى على مقتضى الوحي المصدق بالحجة، وقد عرفت أن التوحيد مما يصح إثباته بالسمع.

.تفسير الآية رقم (109):

{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)}
{فَإِن تَوَلَّوْاْ} عن التوحيد. {فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ} أي أعلمتكم ما أمرت به أو حربي لكم. {على سَوَاءٍ} مستوين في الإِعلام به أو مستوين أنا وأنتم في العلم بما أعلمتكم به، أو في المعاداة أو إيداناً على سواء. وقيل أعلمتكم أني على {سَوَآء} أي عدل واستقامة رأي بالبرهان النير. {وَإِنْ أَدْرِى} وما أدري. {أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ} من غلبة المسلمين أو الحشر لكنه كائن لا محالة.

.تفسير الآية رقم (110):

{إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)}
{إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول} ما تجاهرون به من الطعن في الإِسلام. {وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} من الإِحن والأحقاد للمسلمين فيجازيكم عليه.

.تفسير الآية رقم (111):

{وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)}
{وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ} وما أدري لعل تأخير جزائكم استدراج لكم وزيادة في افتتانكم أو امتحان لينظر كيف تعملون. {ومتاع إلى حِينٍ} ونتمتع إلى أجل مقدر تقتضيه مشيئته.

.تفسير الآية رقم (112):

{قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)}
{قُل رَّبِّ احكم بالحق} اقض بيننا وبين أهل مكة بالعدل المقتضى لاستعجال العذاب والتشديد عليهم، وقرأ حفص {قَالَ} على حكاية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرئ: {رَبُّ} بالضم و{ربي} احكم على بناء التفضيل و{احكم} من الأحكام. {وَرَبُّنَا الرحمن} كثير الرحمة على خلقه. {المستعان} المطلوب منه المعونة. {على مَا تَصِفُونَ} من الحال بأن الشوكة تكون لهم وأن راية الإِسلام تخفق أياماً ثم تسكن، وأن الموعد به لو كان حقاً لنزل بهم فأجاب الله تعالى دعوة رسوله صلى الله عليه وسلم فخيب أمانيهم ونصر رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم، وقرئ بالياء. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ اقترب حاسبه الله حساباً يسيراً وصافحه وسلم عليه كل نبي ذكر اسمه في القرآن» والله تعالى أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم

.سورة الحج:

مكية إلا ست آيات من {هذان خصمان} إلى {صراط الحميد}.
وآيها ثمان وسبعون آية.

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)}
{يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة} تحريكها للأشياء على الإِسناد المجازي، أو تحريك الأشياء فيها فأضيفت إليها إضافة معنوية بتقدير في أو إضافة المصدر إلى الظرف على إجرائه مجرى المفعول به. وقيل هي زلزلة تكون قبيل طلوع الشمس من مغربها وإضافتها إلى الساعة لأنها من أشراطها. {شَئ عَظِيمٌ} هائل علل أمرهم بالتقوى بفظاعة الساعة ليتصوروها بعقولهم ويعلموا أنه لا يؤمنهم منها سوى التدرع بلباس التقوى فيبقوا على أنفسهم ويتقوها بملازمة التقوى.

.تفسير الآية رقم (2):

{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)}
{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} تصوير لهولها والضمير لل {زَلْزَلَةَ}، و{يَوْمٍ} منصوب ب {تَذْهَلُ}، وقرئ: {تَذْهَلُ} و{تَذْهَلُ} مجهولاً ومعروفاً أي تذهلها الزلزلة، والذهول الذهاب عن الأمر بدهشة، والمقصود الدلالة على أن هولها بحيث إذا دهشت التي ألقمت الرضيع ثديها نزعته من فيه وذهلت عنه، و{مَا} موصولة أو مصدرية. {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} جنينها. {وَتَرَى الناس سكارى} كأنهم سكارى. {وَمَا هُم بسكارى} على الحقيقة. {ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ} فأرهقهم هوله بحيث طير عقولهم وأذهب تمييزهم، وقرئ: {تَرَى} من أريتك قائماً أو رؤيت قائما بنصب الناس ورفعه على أنه نائب مناب الفاعل، وتأنيثه على تأويل الجماعة وإفراده بعد جمعه لأن الزلزلة يراها الجميع، وأثر السكر إنما يراه كل أحد على غيره وقرأ حمزة والكسائي {سكرى} كعطشى إجراء للسكر مجرى العلل.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3)}
{وَمِنَ الناس مَن يجادل في الله بِغَيْرِ عِلْمٍ} نزلت في النضر بن الحارث وكان جدلاً يقول الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين ولا بعث بعد الموت هي تعمه وأضرابه. {وَيَتَّبِعْ} في المجادلة أو في عامة أحواله. {كُلَّ شيطان مَّرِيدٍ} متجرد للفساد وأصله العري.

.تفسير الآية رقم (4):

{كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)}
{كُتِبَ عَلَيْهِ} على الشيطان. {أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ} تبعه والضمير للشأن. {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ} خبر لمن أو جواب له، والمعنى كتب عليه إضلال من يتولاه لأنه جبل عليه، وقرئ بالفتح على تقدير فشأنه أنه يضله لا على العطف فإنه يكون بعد تمام الكلام. وقرئ بالكسر في الموضعين على حكاية المكتوب أو إضمار القول أو تضمين الكتب معناه. {وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السعير} بالحمل على ما يؤدي إليه.

.تفسير الآية رقم (5):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)}
{يا أيها الناس إِن كُنتُمْ في رَيْبٍ مِّنَ البعث} من إمكانه وكونه مقدوراً، وقرئ: {مّنَ البعث} بالتحريك كالجلب. {فَإِنَّا خلقناكم} أي فانظروا في بدء خلقكم فإنه يزيح ريبكم فإنا خلقناكم. {مّن تُرَابٍ} بخلق آدم منه، أو الأغذية التي يتكون منها المني. {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} مني من النطف وهو الصب. {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} قطعة من الدم جامدة. {ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ} قطعة من اللحم وهي في الأصل قدر مما يمضغ. {مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} مسواة لا نقص فيها ولا عيب وغير مسواة أو تامة وساقطة أو مصورة وغير مصورة. {لّنُبَيّنَ لَكُمْ} بهذا التدريج قدرتنا وحكمتنا وأن ما قبل التغير والفساد والتكون مرة قبلها أخرى، وأن من قدر على تغييره وتصويره أولاً قدر على ذلك ثانياً، وحذف المفعول إيماء إلى أن أفعاله هذه يتبين بها من قدرته وحكمته ما لا يحيط به الذكر. {وَنُقِرُّ في الأرحام مَا نَشَاء} أن نقره. {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} هو وقت الوضع وأدناه بعد ستة أشهر وأقصاه أربع سنين، وقرئ: {ونقره} بالنصب وكذا قوله: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} عطفاً على {نبيِّن} كأن خلقهم مدرجاً لغرضين تبيين القدرة وتقريرهم في الأرحام حتى يولدوا وينشؤوا ويبلغوا حد التكليف، وقرئا بالياء رفعاً ونصباً ويقر بالياء {وَنُقِرُّ} من قررت الماء إذا صببته، و{طِفْلاً} حال أجريت على تأويل كل واحد أو للدلالة على الجنس أو لأنه في الأصل مصدر. {ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ} كمالكم في القوة والعقل جمع شدة كالأنعم جمع نعمة كأنها شدة في الأمور. {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى} عند بلوغ الأشد أو قبله. وقرئ: {يَتَوَفَّى} أو يتوفاه الله تعالى. {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر} وهو الهرم والخرف، وقرئ بسكون الميم. {لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} ليعود كهيئته الأولى في أوان الطفولية من سخافة العقل وقلة الفهم فينسى ما عمله وينكر ما عرفه، والآية استدلال ثان على إمكان البعث بما يعتري الإِنسان في أسنانه من الأمور المختلفة والأحوال المتضادة، فإن من قدر على ذلك قدر على نظائره. {وَتَرَى الأرض هَامِدَةً} ميتة يابسة من همدت النار إذا صارت رماداً. {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء اهتزت} تحركت بالنبات. {وَرَبَتْ} وانتفخت، وقرئ: {وربأت} أي ارتفعت. {وَأَنبَتَتْ مِن كُلّ زَوْجٍ} من كل صنف {بَهِيجٍ} حسن رائق، وهذه دلالة ثالثة كررها الله تعالى في كتابه لظهورها وكونها مشاهدة.

.تفسير الآية رقم (6):

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)}
{ذلك} إشارة إلى ما ذكر من خلق الإِنسان في أطوار مختلفة وتحويله على أحوال متضادة، وإحياء الأرض بعد موتها وهو مبتدأ خبره: {بِأَنَّ الله هُوَ الحق} أي بسبب أنه الثابت في نفسه الذي به تتحقق الأشياء. {وَأَنَّهُ يُحْىِ الْمَوْتَى} وأنه يقدر على إحيائها وإلا لما أحيا النطفة والأرض الميتة. {وَأَنَّهُ على كُلّ شَئ قَدِيرٌ} لأن قدرته لذاته الذي نسبته إلى الكل على سواء، فلما دلت المشاهدة على قدرته على إحياء بعض الأموات لزم اقتداره على إحياء كلها.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)}
{وَأَنَّ الساعة ءاتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا} فإن التغير من مقدمات الانصرام وطلائعه. {وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن في القبور} بمقتضى وعده الذي لا يقبل الخلف.

.تفسير الآية رقم (8):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8)}
{وَمِنَ الناس مَن يجادل في الله بِغَيْرِ عِلْمٍ} تكرير للتأكيد ولما نيط به من الدلالة بقوله: {وَلاَ هُدًى وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ} على أنه لا سند له عن استدلال أو وحي، أو الأول في المقلدين وهذا في المقلدين، والمراد بالعلم العلم الفطري ليصح عطف ال {هُدًى} وال {كتاب عليه}.

.تفسير الآية رقم (9):

{ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9)}
{ثَانِىَ عِطْفِهِ} متكبراً وثني العطف كناية عن التكبر كليّ الجيد، أو معرضاً عن الحق استخفافاً به. وقرئ بفتح العين أي مانع تعطفه. {لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله} علة للجدال، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس بفتح الياء على أن إعراضه عن الهدى المتمكن منه بالإِقبال على الجدال الباطل خروج من الهدى إلى الضلال، وأنه من حيث مؤداه كالغرض له. {لَهُ في الدنيا خِزْىٌ} وهو ما أصابه يوم بدر. {وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القيامة عَذَابَ الحريق} المحروق وهو النار.

.تفسير الآية رقم (10):

{ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10)}
{ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} على الالتفات، أو إرادة القول أي يقال له يوم القيامة ذلك الخزي والتعذيب بسبب ما اقترفته من الكفر والمعاصي. {وَأَنَّ الله لَيْسَ بظلام لّلْعَبِيدِ} وإنما هو مجاز لهم على أعمالهم المبالغة لكثرة العبيد.

.تفسير الآية رقم (11):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)}
{وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ} على طرف من الدين لاَ ثَبَاتَ له فيه كالذي يكون على طرف الجيش، فإن أحس بظفر قر وإلا فر. {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطمأن بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقلب على وَجْهِهِ} روي أنها نزلت في أعاريب قدموا المدينة، فكان أحدهم إذا صح بدنه ونتجت فرسه مهراً سوياً وولدت امرأته غلاماً سوياً وكثر ماله وماشيته قال: ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا إلا خيراً واطمأن، وإن كان الأمر بخلافه قال ما أصبت إلا شراً وانقلب. وعن أبي سعيد أن يهودياً أسلم فأصابته مصائب فتشاءم بالإِسلام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقلني فقال: «إن الإِسلام لا يقال» فنزلت. {خَسِرَ الدنيا والأخرة} بذهاب عصمته وحبوط عمله بالارتداد، وقرئ: {خاسراً} بالنصب على الحال والرفع على الفاعلية ووضع الظاهر موضع الضمير تنصيصاً على خسرانه أو على أنه خبر محذوف. {ذلك هُوَ الخسران المبين} إذ لا خسران مثله.